في قصر جميل ومنيف شُيِّد وَسْط مزرعةٍ كبيرةٍ مليئة بالأزهار والثِّمار، كانت تعيش سلمى، الابنة الوحيدة لصاحب القصر.
ولفرط محبة والدها لها، لم يتوازن يوماً في تحقيق رغباتها وأمانيها فقد كان يقدم لها من الطعام والشراب والفواكه ما تتوق له نفسها وتستطيبه، كما كانت تظهر أمامَ النَّاس بأجملِ الثِّياب وبأبهى حُلَّةٍ، وليس هذا وحسب، بل أن والدها وضع لها من الخدم والحشم الذين يمتثلون لأوامرها، ويلبُّونَ لها ما تصبو إليه وتطمح له؛ ما جعلها متكبرةً، متعجرفةً، لا تُبالي بمشاعرِ الآخرين وأحاسيسهم، فقد كانت تمشي بين زُوَّارِ القَصر وبين الخَدَمِ بعنجهيَّةٍ وخيلاء حتَّى نفروا منها.
وبسبب سوءِ أخلاقِها فقد ابتعدَ عنها أصدقاؤها وتركوها في عزلة لا ترحم، لهذا كانت تشعر بالضَّجرِ والملل على الدوام وذاتَ يومٍ قرَّرَتْ أن تنزلَ إلى المزرعةِ لترى الفلاحين وهم يجنون الثمارَ، وبينما كانت تسيرُ بين الفلاحين والخدمُ حولَها، مرَّ بالقرب منها فارسٌ وسيمٌ يمتطي حصاناً أبيضَ اللَّون، رشيقاً، لم يُعِرْها انتباهَه، وحينَ سألت عنه قالوا لها: إنه ابن صاحب المزرعةِ المجاورةِ لمزرعةِ أبيها.
كان الفارس يتجولُ بين الفلاحين، وكان كُلَّما مرَّ بالقرب من أحدٍ منهم ألقى عليه التَّحيةَ فيردُّ عليه الفلاحُ التحيةَ بمثلها أو بأحسن منها، وبينما هو كذلك إذْ مر بفتاةٍ قد سقطت سلةُ التفاحِ من يدها فتناثرَتْ حبَّاتُ التفاح هنا وهناك، فترجَّلَ عن حصانه، وبكل تواضعٍ بدأ يساعدُ الفتاة في التقاطِ حبَّات التفاحِ المُتناثرةِ.
شاهدَت سلمى الحدثَ بكلِّ تفاصيلهِ، فطار صوابها، لكن ما رأته جهلها تؤنِّبُ نفسَها وتحاسِبُها على عنجهيَّتها وتكبُّرِها، فقرَّرت بينها وبين نفسها أن تصبحَ أكثر تواضعاً وأكثرَ لُطفاً لتنالَ محبَّةَ الناسِ، كما نال هذا الفارس محبة الناس له.
وفي اليوم التَّالي، مرَّ الفارسُ بالقربِ منها، فرآها بين الفلاحاتِ تقدمُ لهُنَّ يدَ العونِ والمساعدةِ فألقى عليها التحيَّة، وابتسم في وجهها وقال: يومَ أمسٍ كُنتِ في حال واليومَ أراكِ قد تغيَّرْتِ.
فقالت سلمى: صدَقْت، إنَّ مساعدتَكَ للفتاةِ التي سقطَتْ من يدها سلةُ التفاحِ، جعلني أُحاسِبُ نفسي على غرورها وتكبُّرِها، وأدركتُ أنَّ التواضُعَ يمنحُني محبةَ الآخرين.
فقال لها: أتقبلينَ بي صديقاً ؟؟ ضحكت سلمى وقالت: ونِعمَ الصديقُ تكون، ومُنذُ ذلكَ اليومِ، أصبحا أصدقاء تجمعُهما محبةُ الآخرين لهما، وهذا هو سر سعادتِهُما الدَّائمة.
تأليف: مها مارديني